التراث في طليعة العمل المناخي: تأملات من مؤتمر مشروع صافي الصفر الذي نظمته إيكروم
ضمن إطار برنامج الإسعافات الأولية والمرونة للتراث الثقافي في أوقات الأزمات (FAR)، تفخر إيكروم بمشاركة أبرز الرؤى والاستراتيجيات والأفكار المستخلصة من مؤتمرها العالمي حول العمل المناخي القائم على التراث. حيث جمع المؤتمر، الذي عُقد في الفترة بين 25 – 27 آذار/ مارس 2024، أكثر من 1,400 خبير من أكثر من 120 دولة. وعلى مدار ثلاثة أيام، شهد المؤتمر نقاشات معمقة، وتبادلات حيوية للمعرفة، وسرداً قصصياً مؤثراً، مما أتاح فرصة استثنائية لتجاوز الحدود التقليدية وتعزيز الروابط الأساسية بين مجالات حفظ التراث، والعمل المناخي، والقدرة على مواجهة الكوارث وتحقيق السلام المستدام.
فالتقرير الصادر حديثاً يجمع العروض التقديمية والمناقشات التي قدمها المتحدثون خلال المؤتمر، والذين يمثلون أكثر من 20 تخصصاً. كما يعد خطوة مهمة نحو دمج كل ما يتعلق بحماية التراث ضمن سياسات التكيف مع التغير المناخي وإدارة مخاطر الكوارث على المستويين الوطني والمحلي.
لمحة عن المؤتمر
اعتُبر مؤتمر العمل المناخي القائم على التراث تتويجاً للمشروع الرائد صافي الصفر: التراث من أجل العمل المناخي، الذي تم إطلاقه في العام 2022 ضمن إطار برنامج إيكروم الإسعافات الأولية والمرونة للتراث الثقافي في أوقات الأزمات (FAR)، بدعم من مؤسسة الرمز البريدي السويدية (Swedish Postcode Foundation).
وكونه المحطة الختامية لمشروع صافي الصفر، شكَّل المؤتمر منصة لعرض استراتيجيات متكاملة لحماية التراث، والحد من مخاطر الكوارث، والعمل المناخي وبناء السلام. كما تخلل مشاركة تأملات مستخلصة من المشروع إلى جانب رؤى وأفكار جديدة، مع تسليط الضوء على إجراءات تحويلية جرى تنفيذها في خمسة مواقع رئيسية للتراث، وهي: مدينة جودبور في الهند، ومقاطعة كاسيسي في أوغندا، ومدينة رشيد في مصر، ومحمية أوباتوبا في البرازيل، وجزيرة توتي في السودان، وهي جميعها مواقع تأثرت بتقاطع الكوارث المرتبطة بالتغير المناخي والنزاعات الناجمة عن الضغوط البيئية وعوامل الإجهاد البيئي.
تعرف على المزيد حول مشروع صافي الصفر
أتاحت كل من حلقات النقاش المعمقة، وورش العمل التفاعلية لسرد القصص والجلسات الحيوية لإطلاق الأفكار آفاقاً جديدة لإجراء بحوث متعددة التخصصات وتعزيز التعاون المشترك، مما ساهم في ردم الفجوات المعرفية في مجال حماية التراث في ظل التغير المناخي. كما ركّزت هذه الجلسات على توظيف المعرفة التقليدية ومعارف السكان الأصليين لتحقيق إجراءات منصفة بما يتعلق بالمناخ.
كذلك، أكدت المشاركة العالمية الواسعة لأفراد من خلفيات وتخصصات متنوعة على الحاجة الملحّة إلى إيجاد حلول تعاونية لمعالجة تأثيرات التغير المناخي على التراث، مع إبراز دور الثقافة في دفع العمل المناخي قدماً. وقد جمع المؤتمر بين أصحاب المعرفة التقليدية، والمنظمات المجتمعية، والعلماء، ورواد الفكر، وصنّاع القرار، حيث توحّدت أصواتهم ملتزمين بدمج الثقافة في استجابات بشرية مستدامة وقادرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية، مع ضمان حماية التراث. أما المؤتمر الافتراضي فقد تم تنظيمه بالتركيز على ثلاثة محاور مترابطة، شكّلت الإطار الأساسي للعروض التقديمية، وحلقات النقاش والجلسات التفاعلية.
رواد الفكر وإدماج حماية التراث ضمن السياسات المناخية
افتُتح المؤتمر بمشاركة نخبة من الرواد والخبراء، من بينهم السيناتور الدكتورة المحترمة شانتال مونرو-نايت من دولة بربادوس، وسعادة مبارك الناخي – وكيل وزارة الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وألكسندرا زانثاكي – المقررة الخاصة للأمم المتحدة في مجال الحقوق الثقافية، إضافة إلى عالمة الأنثروبولوجيا الشهيرة البروفيسورة لين مسكل، وجيوتي هوساغراهار – نائبة مدير مركز التراث العالمي التابع لليونسكو. حيث شارك هؤلاء القادة برؤى وأفكار قيّمة حول إدماج حفظ التراث ضمن السياسات المناخية. وقد أكدت هذه الآراء والحوارات المتنوعة على دور الثقافة في تحفيز عمل مناخي عادل وتعزيز نهج شامل للحد من مخاطر الكوارث. اضغط هنا لمشاهدة تسجيل الجلسة.
"تبلغ مساحة بربادوس 166 ميلاً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها 266,000 نسمة. وباعتبارها جزيرة، فإنها تشمل مجتمعات ساحلية ومجموعات صيد واسعة، بالإضافة إلى مجتمعات زراعية. وبالتالي، فإن قضية التغير المناخي تشكّل أهمية كبيرة بالنسبة لنا، فنحن نواجه تأثيراته بشكل يومي. أما التصدي لهذه التغيرات فيعتمد على زيادة واستثمار قدرة مجتمعنا وثقافتنا على الصمود."
— السيناتور الدكتورة المحترمة شانتال مونرو-نايت، وزيرة الدولة في مكتب رئيس الوزراء، بربادوس
جلسة طاولة مستديرة للجهات المعنية تدعم دراسات الحالة التحوّلية من مواقع مشروع صافي الصفر
تضمنت إحدى حلقات النقاش الرئيسية في المؤتمر فرق عمل مشروع صافي الصفر من المواقع الخمسة، حيث قدمت كل منها دراسات حالة تستعرض إجراءات تشاركية وتحويلية استندت إلى المعرفة التقليدية المجتمعية لمواجهة مخاطر التغير المناخي. وقد دعمت الجهات المعنية المحلية في كل موقع هذه الجهود، بما في ذلك الهيئات الوطنية لإدارة الكوارث، والممثلون المحليون وحمَلة معارف السكان الأصليين، الذين قدموا رؤى وأفكاراً قيّمة حول تطبيق العمل المناخي القائم على التراث، مع تسليط الضوء على العوامل الأساسية التي أسهمت في نجاح مبادراتهم.
"من خلال تقييم المخاطر التشاركي الذي تم تنفيذه ضمن إطار المشروع الميداني في رشيد في مصر، بدأ البرلمان في تحسين أنظمة الصرف الصحي. حيث تبيّن أن أحد المخاطر الرئيسية التي ظهرت خلال التقييم هو فشل إدارة مياه الصرف، مما يؤثر بشكل كبير على الصيادين والمزارعين في رشيد."
— الدكتور هشام الجاهل، عضو في البرلمان، رشيد، مصر
حلول رائدة قدمتها الدول الجزرية الصغيرة النامية (SIDs)
تضمّنت حلقات النقاش المخصصة في المؤتمر أيضاً عرضاً لحلول رائدة قدمتها الدول الجزرية الصغيرة النامية (SIDS). حيث استعرضت دول ترينيداد وتوباغو، وسيشيل، وأنتيغوا وباربودا أفضل الممارسات في مجال حماية التراث في ظل الأزمة المناخية.
المعرفة التقليدية ومعارف السكان الأصليين لحماية التراث وتعزيز القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية
في جلسة "تحت شجرة الحوار"، جمع حوار ضم عدة أجيال مختلفة من الخبراء الناشئين وقادة من السكان الأصليين للبحث في دور الحِرف التقليدية، والهندسة المعمارية المحلية وإدارة الموارد الطبيعية في تعزيز القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية والمساهمة في تحقيق هدف مشروع صافي الصفر. وقد أكدت النقاشات على أن الرؤى العالمية للسكان الأصليين تحمل إمكانات كبيرة لمواجهة التحديات الحرجة، بما في ذلك التغير المناخي. ومن خلال توظيف المعرفة التقليدية لتعزيز القدرة على التكيف، أصبح جلياً أن الثقافة والتراث يلعبان دوراً أساسياً في دفع العمل المناخي العادل والشامل، مما يسهم في بناء مستقبل أكثر قدرة على الصمود للجميع.
ما التالي؟
أحد النتائج الرئيسية للدورة الـ 28 من مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28) كان اعتماد إطار الهدف العالمي للتكيف (GGA)، حيث تم إدراج التراث الثقافي كأحد الأهداف الموضوعية السبعة؛ وهي خطوة بالغة الأهمية. وانطلاقاً من مخرجات مشروع صافي الصفر، تلتزم إيكروم بتعزيز هذا الإطار من خلال توفير أدوات متعددة اللغات وتقديم تدريبات متعددة التخصصات.
كما تدعو إيكروم الدول الأعضاء فيها إلى دعم هذه المبادرة من خلال إدراج العمل المناخي القائم على التراث ضمن سياساتها الوطنية وأطرها التنظيمية، بما يضمن حماية المجتمعات الأكثر تأثراً بالأزمة المناخية وتعزيز قدرتها على الصمود. وستلتزم إيكروم أيضاً بتعزيز هذا الإطار من خلال توفير أدوات متعددة اللغات وتقديم تدريبات متعددة التخصصات.
يمثل إصدار تقرير المؤتمر مرجعاً أساسياً للجهات المعنية في مختلف القطاعات. فهو يقدم استراتيجيات عملية لتعزيز الصمود أمام التغير المناخي القائم على التراث. وفيما تواصل إيكروم جهودها في هذا المجال، يشكّل التقرير أساساً للتعاون المستقبلي من أجل حماية التراث الثقافي والتصدي للأزمة المناخية في آنٍ واحد.