Orlando – the defence of a fragile hero
© Dennis Jarvis - wikimedia

منذ ما يربو على الستمائة عام يقف عمود أورلندو في وسط ساحة لوزا أمام كنيسة سانت بلايز في قلب مدينة دوبروفنيك. وهو نصب تذكاري صغير الحجم نسبيـًا، يبلغ ارتفاعه حوالي أربعة أمتار،عمل النحات الإيطالي بونينو دي جاكوبو على نحته في عام 1417 من كتلة واحدة من الحجر الجيري، وللنصب هذا قاعدة منفصلة محاطة بإطار. لكن هذا المظهر المتواضع إلى حدّ ما يخفي وراءه شبكة غنيّـة من الروابط الثقافية التي تربط هذا المعْـلم بالتقاليد الأدبية في العصور الوسطى وصولاً إلى مفاهيم الاستقلال والهويّـة الوطنية الحالية داخل أوروبا الحديثة. 
 
والشكل المركزي للشخص في عمود رولاند أو أورلاندو كما هو معروف محليـًا، يمثل رجلاً يرتدي لباس الفارس ويحمل درعـًا وسيفـًا. كان رولاند قائدًا عسكريًا تحت حكم شارلمان، وقد تم الاحتفال بوفاته في عام 778 في القرن الحادي عشر في القصيدة الملحمية الشهيرة "أغاني رولاند".  ومنذ ذلك الحين تحوّل إلى شخصية أدبية شعبية طوال فترة العصور الوسطى وعصر النهضة (كونها أيضًا مصدر إلهام لشخصية أورلاندو في مسرحية وليام شكسبير( كما تحبها)، ( ***اسم مسرحية شكسبير باللغة الانكليزية). وقد جاء ورلاند ليمثل النضال من أجل الحرية والانعتاق من الاستبداد والظلم. وهكذا، تمّ تبنّـيه بوصفه رمـزًا للحقوق المدنيّـة بموجب القانون السكسوني، وأقيمت له تماثيل عرفت ب 'تماثيل رولاند'  في عديد المدن في كافة أنحاء ألمانيا والدول المجاورة لها، ووصلت شعبيته إلى ذروتها خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ولكن الأمر الذي يثير الفضول يتمثل في كيف وصل تمثال واحد من تماثيل رولاند إلى دوبروفنيك ليقف في وسطها وهي التي تقع على ساحل البحر الأدرياتيكي لا على ساحل بحر البلطيق.

احتل عمود أورلندو منذ أن تمّ نصبه في الساحة، مكانـًا خاصـًا في الوعي العام للناس، فهو يمثل بالنسبة إلى سكان مدينة دوبروفنيك فخر مدينتهم ورمز استقلالها. فموقع العمود مقابل كنيسة القديس بلايز، وهو شفيع المدينة، يكمل هذه الرواية الرمزية، وكان في الأصل قد تم استخدامه كمنصّة لتقديم البيانات والإعلانات العامة، ولكن سرعان ما تعززت الوظيفة الرمزية للعمود عند استخدامه كدعامة لعلم المدينة. وبالرغم من أهميته الرمزية، أو ربما جزئيـًا بسبب ذلك، لم تكن حالة العمود جيّـدة في السنوات الأخيرة. فقد كان تاريخ حفظه وصونه متقلبـًا، ولا نعرف شيئـًا عن تلك الحالة قبل عام 1878 بعدما انهار جرّاء هبوب عاصفة قوية. وقد بقي في المخازن بعد ذلك لمدة 53 عامـًا.  ومنذ إعادة بنائه وإرجاعه إلى مكانه في عام 1878، خضع العمود لعدة أعمال ترميم جرت أولها عام 1954 عندما ظهرت شقوق وتصدّعات في قاعدته تمّ حقنها وقتئذٍ بالجصّ وبالإسمنت. وبعد حرب الاستقلال الكرواتية التي دامت طوال الفترة الممتدة ما بين عام 1991 و 1995، ظلّ العمود محميـًا طوال تلك الفترة بألواح خشبية وبأكياس الرمل، ومرة أخرى تم استخدامه بمثابة سارية للعلم والوطني، ولكن هذه المرة للاحتفال بمدينة دوبروفنيك وجمهورية كرواتيــا. ومع ذلك أظهر العمود منذ مطلع القرن الحادي والعشرين (2000) علامات تصدّع جديدة بما يشير إلى أنه لم يكن قويـًّا بما فيه الكفاية ليتحمّـل مثل هذا الاستخدام. وفي الفترة الممتدة ما بين عام 2006 وعام 2007، وبعد سلسلة من التحرّيات، تمّ تنفيذ أعمال هيكلية واسعة النطاق للعمود قام بها مقاولون خصوصيون، بهدف رئيسي هو تعزيز العمود حتى يتمكّـن من الاستمرار في رفع علم المدينة. 

Orlando – the defence of a fragile hero

ولسوء الحظ، وبعد وقت قصير من اكتمال الأعمال، بدأت تظهر شقوق عميقة ومتعددة على جميع واجهات النصب- إلى الحدّ الذي تمّ فيه تقديم مقترحات لإزالة العمود تمامًا ونقله إلى أحد المتاحف وتثبيت نسخة مطابقة للأصل في مكانه. ولكن من منطلق الإدراك بالتعلّق العام الشديد بالنصب التذكاري تم التصميم على إيجاد أفضل حلّ للحفاظ عليه في مكانه، مما دفع المؤسسة الكرواتية للحفظ في عام 2019 لإطلاق برنامج جديد للتحقيقات بهدف العثور على الأسباب الكامنة وراء هذا التدهورالذي استجدّ. وبالنظر إلى تعقيد الحالة، ومن أجل تعزيز هذه الجهود ودعمها، طلبت وزارة الثقافة الكرواتية من المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية-إيكروم أن يعمل المركظ على تشكيل فريق من الخبراء الدوليين يعْهد إليهم بأن يعملوا على تقييم موقع عمود أورلندو ومراجعة الأدلة التي تم جمعها.

وفي شهر شباط/فبراير الماضي عام 2020، أدّى فريق بعثة منظمة إيكروم، الذي يتألف من خبيرين اثنين   مختصصين في مجال الحفظ مرفوقين بمهندس هيكلي، زيارة إلى الموقع لتقييم حالة عمود أورلندو. ولقد توصلت البعثة إلى خلاصة مفادها أن النصب التذكاري هذا في حالة هشّـة تؤكد أن أية محاولة لتحريكه تعرّضه لمزيدٍ من الخطر. كما أنهم حددوا عددًا من الأسئلة المهمة التي تحتاج إلى إجابة للتوصل إلى معرفة أفضل الطرق لحماية هذا العمود. وتمشيـًا مع الحالة المذكورة، عمل فريق  البعثة على  وضع خطة للتحرّيات العلمية من أجل إيجاد حلٍّ لهذا الوضع الغامض، ولإنارة درب السير قدمـًا في عملية حفظ العمود وصونه على المدى الطويل. 

ومع ذلك ، هناك شيء واحد كان واضحًا هو أنه على الرغم من أن النصب التذكاري في حالة هشة، إلا أنه لا يبدو أنه في خطر الانهيار المباشر - شريطة ألا يخضع لمزيد من الضغوط. وهذا يعني أنه بينما تستمر التحريات يمكن لأورلاندو أن يبقى في مكانه- ولكن مع توفير الحماية الإضافية اللازمة.   

ستشكل هذه الاستنتاجات بلا شك خبرًا جيدًا لشعب دوبروفنيك الذين احتفلوا لتوّه بالذكرى الستمائة لتأسيسه.    وبطريقة ما، تذكّـرنا قصة رولاند هذه- وهو حامي الحقوق المدنية- أن مثل هذه المعالم التاريخية يمكن أن تصبح هشّـة أحيانًا وأنها تحتاج منـّا أن ندافع عنها ونصونها. 

شكر وتقدير
تعرب  منظمة إيكروم عن شكرها وامتنانها لوزارة الثقافة الكرواتية وسلطات مدينة دوبروفنيك، ومؤسسة البحوث.